|
فلاديميـير ايليتـش مواصل طريق ماركس وانجلز، وزعيم البروليتاريا الروسية والدولية، ومؤسس الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي والدولة السوفيتية. ولد في سيمبرسك ( تسمى الآن اوليانوفسك نسبة إلى اسم عائلة لينين: أوليانوف). وفي عام 1887، بعد أن أنهى دراسته الثانوية، دخل كلية الحقوق في كازان، ولكنه اعتقل بسبب نشاطه في الحركة الطلابية، واختفى في المدينة ووضع تحت رقابة البوليس في قرية كوكوشيكتو. وفي عام 1891 تخرج كطالب منتسب (من الخارج) في جامعة سان بطرسبرغ. وفي كازان (1888–1889) وسماري (1898–1893) درس الماركسية وأصبح ماركسيا، ونظم أول جماعة ماركسية في مدينة سماري. وعندما وصل على سان بطرسبرغ عام 1893 أصبح زعيم الماركسيين فيها، وكان نشطا في الدعاية لتعاليم الماركسية بين العمال. وفي عام 1894 كتب أول مؤلف رئيسي له، وهو "من هم أصدقاء الشعب وكيف يحاربون الديمقراطيين الاشتراكيين"، وفيه دحض النظرية الزائفة للشعبوية ومناوراتها. وبيّن أن للطبقة العاملة في روسيا الطريق الحق للنضال . وفي عام 1895 وحّد الجماعات الماركسية في سان بطرسبورغ في "عصبة النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة". وبعد ذلك مباشرة اعتقل لينين وسجن ثم نفي إلى سيبيريا وفي أوائل عام 1900 هاجر. وفي الخارج أسس مجلة "اسكرا" (ومعناها الشرارة)، وهي أول صحيفة ماركسية توزع على نطاق واسع في روسيا. وقد لعبت دورهائلا في تكوين حزب ماركسي من نوع جديد، وفي وضع برنامج هذا الحزب، وفي الصراع ضد الاصلاحيين والانتهازيين. وقد شهد المؤتمر الثاني لعصبة النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة عام 1903 تدشين الحزب البلشفي، الذي قاد البروليتاريا والفلاحين الكادحين – تحت قيادة لينين – في الصراع للاطاحة بالأوتوقراطية القيصرية وإقامة نظام اشتراكي محلها. ولقد كانت علامات الطريق في هذا الصراع الثورة الديمقراطية البورجوازية عام 1905، وثورة فبراير الديمقراطية البورجوازية عام 1917، ثم ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917. والفضل العظيم الذي قدمه لينين أنه طور التعاليم الماركسية تطويرا خلاقا، بالاشارة إلى الظروف التاريحية الجديدة، وأعطاها شكلا محددا، على أساس الخبرة العملية للثورات الروسية والحركة الثورية الدولية بعد وفاة ماركس وانجلز. وقد واصل لينين، في كتابه "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" (1916) تحليل أسلوب الانتاج الرأسمالي الذي كان ماركس قد قام به في "رأس المال"، واكتشف لينين القوانين الي تحكم التطور الاقتصادي والسياسي للرأسمالية في عصر الاستعمار. وقد خلق نظرية حزب البروليتاريا باعتباره الحزب القائد والقوة المنظمة، التي لا يمكن بدونها قيام دكتاتورية البروليتاريا أو بناء المجتمع الشيوعي. وقد أصبح لينين زعيم أول دولة بروليتارية، وهي الدولة التي استطاعت أن تتغلب في الصراع ضد الأعداء الداخليين والخارجيين، وأن تطلق البناء السلمي للاشتراكية. وقد طور لينين أفكار ماركس وانجلز، فوضع برنامجا محددا للبناء الاشتراكي في اتحاد الجمهوريات السوفيتية. ويرتبط اسم لينين بتطور كل جوانب الماركسية، بما فيها الفلسفة. فقد وجه منذ البداية اهتماما عظيما إلى تطوير المادية الجدلية والمادية التاريخية. وكانت الفلسفة الماركسية وسيلة لحل كل مشكلة تواجه الطبقة العاملة وحزبها في المرحلة الجديدة. وقد أثرى تلك الفلسفة بكثير من الأفكار الجديدة. ففي عام 1908 كتب مؤلفه الفلسفي الرئيسي "المادية والتجريبية النقدية" الذي قدم فيه تحليلا عميقا لآخر انجازات العلم الطبيعي في ضوء المادية الجدلية، وطور المبادئ الأساسية لفلسفة الماركسية، وخاصة نظريتها في المعرفة. وأدرك لينين في مذهب ماخ الاتجاه في الفلسفة المعاصرة الذي يحاول، بمناهج جديدة، أن يدمر نفوذ المادية وأن يدافع عن المثالية، بالتركيز على مبحث المعرفة والمنطق . ولم يفقد نقده لمذهب ماخ شيئا من أهميته اليوم، وهو يعلم الماركسيين كيف يحاربون الفلسفة الرجعية. إن لينين قد طرح – بقدر من الإلحاح لم يسبق له مثيل في هذا المجال التساؤل عن الالتزام في الفلسفة، وطالب بأن يحارب الماركسيون بكل تمسك ضد أي ضرب من ضروب المثالية أو الميتافيزيقا. وعمل بكد شديد لتطوير واستكمال المادية الجدلية، التي وصفها بأنها "روح الماركسية"، وبأنها "الأساس النظري الأساسي" للماركسية. وبيّن تعدد جوانب الجدل، كنظرية في التطور، ودعّم المصادرة ذات الأهمية القصوى والمثمرة عن وحدة الجدل والمنطق ونظرية المعرفة. وإذ يشير لينين إلى كتاب ماركس "رأس المال" كنموذج لمثل هذه الوحدة، فانه يقدم سلسلة من الأفكار القيمة حول هذا الموضوع ( انظر " الدفاتر الفلسفية" )، التي يمكن أن تعتبر برنامجا لمزيد من العمل في الجدل. وتقدم أعماله – التي تغطي أكثر المجالات تنوعا ، الاقتصاد والسياسة والإستراتيجية والتكتيك – نماذج لا يمكن تجاوزها لتطبيق الجدل على الحياة الواقعية . وقد شرح لينين في مقاله "حول أهمية المادية المناضلة" (1922) – المهام الحيوية التي ينبغي الاضطلاع بها من أجل مزيد من تطوير الفلسفة الماركسية بما في ذك الصراع ضد الآراء الدينية في العالم. وتحتفظ هذه التوجيهات بأهميتها إلى اليوم. وقد كان لينين يعتبر الفهم المادي للتاريخ أعظم انجاز للفلسفة الماركسية. كما اعتبر نظرية المادية التاريخية أساسا علميا لوصول إلى معرفة قوانين التطور الاجتماعي، وللنضال الثوري من أجل التحويل الاشتراكي للمجتمع. ودراسته الخلاقة للتطور الاقتصادي والسياسي والروحي للمجتمع في العصر الجديد، قد طورت كل جوانب علم الاجتماع الماركسي. ومن الأمور ذات الأهمية الخاصة بحثه في مشكلات الطبقات والصراع الطبقي والدولة والثورة ( أنظر كتابه "الدولة والثورة")، ودور الجماهير في عصر الثورة الاشتراكية وبناء المجتمع الشيوعي ؟ وفي العلاقة بين الجماهير والحزب والقادة، وأفكاره فيما يتعلق بالأشكال الجديدة التي تتخذها القوانين الاقتصادية لتطور الاجتماعي أثناء البناء الاشتراكي، وعن العلاقة بين علمي الاقتصاد والسياسة، وعن الثقافة والثورة الثقافية، وعن الأخلاقيات الاشتراكية ومبادئ الفن الاشتراكي. كذلك كانت للينين أفكار قيمة في مجال العلم التاريخي الفلسفي الماركسي، وقد أعطى لنا تقديرات دقيقة نفاذة لكثير من فلاسفة الماضي (فلاسفة العالم القديم والماديون الفرنسيون وكانط وهيغل وغيرهم) . وقـيّم أعمال المفكرين الديمقراطيين الثوريين الروس (بيلنسكي وهيرزن وتشيرنشيفسكي). ويشكل ما قاله عنهم وعن عمليات تطور الحركة الثورية والفكر الاجتماعي في روسيا أساسا نظريا لتاريخ علمي للفلسفة المادية الروسية. |