وهكذا نرى، حتى إذا بقينا داخل حدود العلاقات بين
الرأسمال والعمل المأجور، أن مصالح الرأسمال ومصالح العمل المأجور
متضادة تماما. إن نموا سريعا في الرأسمال يوازي نموا سريعا في الربح. والربح لا
يمكنه أن ينمو بسرعة إلا إذا هبط سعر العمل، الأجرة النسبية، بالسرعة
نفسها. إن الأجرة النسبية قد تهبط حتى ولو ارتفعت الأجرة الفعلية في
الوقت نفسه مع الأجرة الاسمية، مع قيمة العمل نقد، ولكن شرط ألاّ
ترتفع الأجرة الفعلية بنفس النسبة التي يرتفع بها الربح. فإذا ارتفعت
الأجرة 5 بالمئة في مراحل الانتعاش وارتفع الربح 30 بالمئة، فإن
الأجرة النسبية لا تزداد، بل تهبط. وعليه إذا ازداد دخل العامل مع نمو الرأسمال بسرعة، فإن الهوة
الاجتماعية التي تفصل بين العامل والرأسمالي تتسع في الوقت نفسه، كما
يتعاظم بالتالي سلطان الرأسمال على العمل وتتفاقم تبعية العمل إزاء
الرأسمال. فالقول إن للعامل مصلحة في نمو الرأسمال بسرعة، إنما يعني في الواقع
أنه كلما زاد العامل بسرعة ثروة الآخرين، كلما ازدادت الفتائت التي
يلتقطها عن المائدة؛ وكلما أمكن تشغيل عدد أكبر من العمال وكلما أمكن
توليد عدد أكبر من العمال، كلما أمكن زيادة جيش الأرقاء في تبعية
الرأسمال. لقد لاحظنا إذن: إن الظروف الأكثر ملاءمة للطبقة العاملة، نمو الرأسمال بأسرع ما يمكن،
لا يقضي على التناقض بين مصالح العمال ومصالح البرجوازيين، مصالح
الرأسماليين، مهما كان التحسين الذي يُدخله في حياة العامل المادية.
فالربح والأجرة هم، من بعد كما من قبل، في علاقة متناسبة عكسا. فحين ينمو الرأسمال بسرعة، فإن الأجرة قد تنمو، ولكن ربح الرأسمالي
ينمو بما لا يقاس من السرعة. إن حياة العامل المادية تتحسن، ولكن على
حساب وضعه الاجتماعي. فالهوة الاجتماعية التي تفصله عن الرأسمالي تزداد
اتساعا. أخيرا: إن القول بأن الظرف الأنسب للعمل المأجور إنما هو نمو الرأسمال المنتج
بأسرع ما يمكن، يعني في الواقع أنه كلما زادت الطبقة العاملة وأنمت
القوة المعادية له، ثروة الآخرين التي تسيطر على الطبقة العاملة، كلما
تحسنت الأحوال التي يُسمح لها لها فيها من جديد بالعمل على زيادة
الثروة البرجوازية، على تعزيز سلطان الرأسمال، راضية بأن تصنع بنفسها
السلاسل الذهبية التي تجرها بها البرجوازية في ذيلها. نمو الرأسمال المنتج وزيادة الأجرة، تُرى، هل هما حقا وثيقا الارتباط
لا تنفصم عراهما كما يزعم الاقتصاديون البرجوازيون ؟ ينبغي لنا ألاّ
نصدق مزاعمهم. بل إنه لا يمكننا أن نصدقهم بتاتا حين يقولون أنه بقدر
ما يسمن الرأسمال، بقدر ما يسمن عبده. إن البرجوازية بالغة الفطنة والحنكة، فهي تحسب وتجيد الحساب ولا تقلّد السيد الإقطاعي في غروره وأوهامه إذ يتباهى ببريق لباس خدمه. إن شروط حياة البرجوازية إنما
تُكرهها على الحساب. ولذا لا بد أن ندرس هذا الأمر عن كثب: ما هو تأثير نمو الرأسمال المنتج في الأجرة ؟ حين ينمو الرأسمال المنتج للمجتمع البرجوازي بكليته، فذلك يعني أنه حدث
بالنتيجة تكدس عمل أعمّ. فالرأسماليون يزدادون عددا والرساميل تزداد
حجما. وزيادة الرساميل تعزز المزاحمة بين الرأسماليين. وتنامي مقادير
الرساميل يتيح سوق جيوش أضخم من العمال إلى ميدان المعركة الصناعية، مع
أعتدة قتالية أقوى وأكبر. إن الرأسمالي لا يستطيع إزاحة الآخر والاستيلاء على رأسماله إلا إذا
باع بأسعار أرخص، ولكي يستطيع أن يبيع بأسعار أرخص دون أن يحل به
الخراب، عليه أن ينتج بكلفة أقل، أي أن يزيد إنتاجية العمل قدر
الإمكان. ولكن إنتاجية العمل تزداد على الأخص من جراء زيادة تقسيم
العمل، من جراء إشاعة الآلات على نطاق أوسع فأوسع وتحسينها على
الدوام. فبقدر ما يزداد جيش العمال الذين يُقسَّم العمل بينهم، وتشاع
الآلات على نطاق أوسع، بقدر ما تنخفض نفقات الإنتاج أسرع نسبي، ويغدو
العمل أوفر مردودا. ولذا تقوم بين الرأسماليين مباراة متنوعة المظاهر
لزيادة تقسيم العمل وإشاعة الآلات ولاستثمار هذين العنصرين على أكبر
نطاق ممكن. ولكن إذا استطاع رأسمالي، بفضل تقسيم العمل على نطاق أوسع، واستخدام
الآلات الجديدة وتحسينه، واستغلال قوى الطبيعة على وجه أفيد وعلى
نطاق أكبر، إذا استطاع هذا الرأسمالي أن يصنع بالقدر نفسه من العمل أو
من العمل المكدس قدرا من المنتجات، من البضائع، أكبر مما يصنعه
مزاحموه؛ إذا استطاع مثلا أن ينتج مترا كاملا من القماش في فترة معينة
من الوقت بينما ينتج مزاحموه نصف متر من القماش نفسه في الفترة ذاته،
فما عساه أن يفعل ؟ إنه يستطيع أن يبيع نصف المتر من القماش بالسعر السابق في السوق. ولكن
تلك لن تكون الوسيلة لإزاحة أخصامه وزيادة تصريفه. والحال، بقدر ما
يتسع إنتاجه، تتعاظم بالنسبة له الحاجة إلى التصريف. والحقيقة أن
وسائل الإنتاج الأقوى والأغلى التي أوجدها تتيح له أن يبيع بضاعته
بأسعار أرخص، ولكنها تكرهه في الوقت نفسه على بيع مزيد من البضائع،
على الاستيلاء على سوق لبضائعه أكبر بما لا يقاس. وهكذا فإن صاحبنا
الرأسمالي هذا سيبيع نصف المتر من القماش بسعر أرخص مما يبيع مزاحموه. ولكن هذا الرأسمالي لن يبيع المتر الكامل من القماش بنفس الثمن الذي
يبيع به مزاحموه نصف المتر، رغم أن إنتاج المتر بكامله لا يكلفه أكثر
مما يكلف مزاحميه إنتاج نصف المتر. وإل، فإنه لن يحصل على أي ربح
زائد ولن يسترد بالمقابل إلا نفقات إنتاجه. فإذا ازداد دخله في هذه
الحال، فلأنه وظّف وشغّل رأسمالا أكبر لا لكونه استحصل من رأسماله
أكثر مما يستحصل الرأسماليون الآخرون. ثم إنه يبلغ الهدف الذي ينشده
لمجرد أن يبيع بضاعته بسعر يقل بعض الأجزاء من مئة جزء من سعر مزاحميه.
وهكذا يزيحهم من السوق، أو ينتزع منهم على الأقل قسما من تصريفهم، إذ
يبيع بأسعار أدنى من أسعارهم. وأخير، لنذكّر أن السعر الجاري هو
دائما أكبر أو أقل من نفقات الإنتاج، حسبما يتم بيع البضاعة في فصل
يلائم الصناعة أو لا يلائمها. وحسبما يكون سعر متر القماش في السوق
أكبر أو أقل من نفقات إنتاجه السابقة العادية، فإن الرأسمالي الذي
استخدم وسائل إنتاج جديدة أفيد، سيبيع بأسعار تزيد على نفقات إنتاجه
الفعلية بنسب مئوية مختلفة. ولكن امتياز صاحبنا الرأسمالي لا يدوم طويلا؛ فإن الرأسماليين
المنافسين الآخرين يستخدمون الآلات نفسها وتقسيم العمل نفسه، وعلى
النطاق نفسه أو على نطاق أوسع، وهذا التحسين ينتشر ويعمّ حتى يهبط
ثمن القماش لا إلى ما دون نفقات إنتاجه السابقة وحسب، بل أيضا دون
نفقات إنتاجه الجديدة. وهكذا يجد الرأسماليون أنفسهم بعضهم إزاء بعض، في ذات الوضع الذي
كانوا فيه قبل تطبيق وسائل الإنتاج الجديدة، وإذا كانوا يستطيعون بهذه
الوسائل أن يسلموا ضعف الإنتاج بالثمن السابق نفسه، إلا أنهم مكرهون
الآن على بيع ضعف إنتاجهم بسعر أدنى من السعر السابق. وإذ تبلغ نفقات
الإنتاج هذا المستوى الجديد، تتجدد اللعبة: زيادة تقسيم العمل، زيادة
عدد الآلات، اتساع نطاق استخدام تقسيم العمل، والآلات. والمزاحمة
تفضي من جديد إلى رد الفعل ذاته ضد هذه النتيجة. |