رأس المال |
|
كتبه: كارل ماركس سنة 1867 نسخ: دينا (سبتمبر 2006) |
|
1- سر التراكم البدائي
لقد رأينا كيف يتحول النقد إلى رأسمال، وكيف يُنتج الرأسمال القيمة الزائدة، وكيف يتزايد الرأسمال بفضل القيمة الزائدة. بيد أن تراكم الرأسمال يفترض القيمة الزائدة، والقيمة الزائدة تفترض الانتاج الرأسمالي، وهذا الاخير يفترض وجود مقادير كبيرة من الرأسمال وقوة العمل في أيدي منتجي البضائع. وعليه تدور هذه الحركة كلها، على ما يبدو، في حلقة مفرغة لا نستطيع الافلات منها إلا بافتراضنا أن التراكم الرأسمالي قد سبقه التراكم "البدائي" ("previous accumulation" حسب آ. سميث)،– هذا التراكم الذي لم يكن نتيجة لأسلوب الانتاج الرأسمالي، بل نقطة انطلاقه. إن هذا التراكم البدائي يضطلع في الاقتصاد السياسي بدور يماثل تقريبا دور الخطيئة الأصلية في اللاهوت : فإن آدم قد أكل من التفاحة، فدخلت الخطيئة الجنس البشري. وحين يفسرون هذا التراكم، يحكون عنه كأنما عن نكتة تاريخية حدثت في الأزمنة الغابرة. ففي قديم الأزل، كان يوجد، من جهة، محبون للعمل، وفي المقام الأول، مختارون عاقلون مقتصدون، ومن جهة أخرى، صعاليك كسالى يبذرون كل ما عندهم وحتى أكثر من ذلك. صحيح أن الاسطورة اللاهوتية عن الخطيئة الأصلية تروي لنا كيف حُكم على الإنسان أن يأكل خبزه بعرق جبينه ؛ أما تاريخ الخطيئة الأصلية الاقتصادية، فإنه يبين لنا كيف أمكن أن يظهر أناس لا حاجة لهم على الاطلاق إلى مثل هذا الكدح. ولكن الأمرين سيان. وهكذا حدث أن الأوائل كدسوا الثروة، بينا لم يبق للأواخر، في آخر المطاف، ما يبيعونه غير جلودهم بالذات. وإلى زمن هذه الخطيئة الأولى، يعود كلٍّ من منشأ فقر الجماهير الواسعة التي ليس لها بعد ما تبيعه، رغم كل كدحها، غير نفسها بالذات، ومنشأ غنى القلة من الناس الذي يتعاضم بإستمرار مع أنهم كفوا عن العمل منذ زمان بعيد. ومثل هذه الحكايات السخيفة يردد، مثلا، السيد تيير على مسامع الفرنسيين الذين كانوا فيما مضى، جد أذكياء، بغية تبرير propriété (الملكية)، بل يرددها بمهابة رجل الدولة و جديته، ولكم ما دام الكلام يتناول مسألة الملكية، فإن الواجب المقدس يفرض دعم وجهة نظر كتاب الأبجدية، المُعد للأطفال، بوصفها وجهة النظر الصحيحة الوحيدة بالنسبة لجميع الأعمار وجميع درجات التطور. ومعلوم أن الفتح والاستعباد والنهب والاغتصاب، بكلمة، العنف يضطلع بدور كبير في التاريخ الفعلي. ولكن الاقتصاد السياسي الوديع ساده الرغد والهناء من قديم الزمان. فإن الحق و"العمل" كانا من قديم الزمان الوسيلتين الوحيدتين للأثراء،– إلا أن "هذا العام" كان، بالطبع، إستثناء دائما. أما في الواقع فإن طرائق التراكم البدائي إنما هي أي شيء كان، ولكنها ليست أبدا حياة مسالمة هنيئة. إن النقود والبضائع، مثلها مثل وسائل العيش ووسائل الانتاج، ليست أبدا رأسمالا بحد ذاتها. وإنما يجب تحويلها إلى رأسمال، ولكن هذا التحويل غير ممكن إلا في ظروف معينة تتلخص فيما يلي : ينبغي أن يتقابل نوعان مختلفان جدا من مالكي البضائع ويُقيما صلة فيما بينهما – من جهة، مالك النقد ووسائل الانتاج ووسائل العيش، الذي يبتغي أن يشتري قوة عمل الغير لكي يزيد، لاحقا، مبلغ القيمة الذي استأثر به ؛ ومن الجهة الأخرى، عمال أحرار، باعة قوة عملهم، وبالتالي باعة العمل. عمال أحرار من وجهتين : من حيث أنهم ليسوا مباشرة في عداد وسائل الانتاج، كالعبيد والأقنان، الخ.، ولكنهم لا يملكون وسائل الانتاج، كما هو الحال عند الفلاحين الذين يملكون أستثمارات مستقلة، الخ.، إنهم، بالعكس، أحرار من وسائل الانتاج، مُحررون منها، محرومون منها، وبهذا الاستقطاب لسوق البضائع تنشأ الشروط الأساسية للانتاج الرأسمالي. إن العلاقة الرأسمالية تفترض أن ملكية شروط تحقيق العمل مفصولة عن العمال، وحالما يقف الانتاج الرأسمالي على قدميه، فإنه لا يدعم هذا التقسيم وحسب، بل يُعيد أنتاجه أيضا وبمقياس متعاظم على الدوام. وعليه، لا يمكن للعملية التي تنشئ العلاقة الرأسمالية أن تكون غير عملية فصل العامل عن ملكية شروط عمله،– عملية تحول وسائل الانتاج الاجتماعية ووسائل العيش إلى رأسمال، من جهة، وتحول المنتجين المباشرين إلى عمال أجراء من جهة أخرى. ولذا ليس ما يسمى بالتراكم البدائي غير عملية تاريخية آلت إلى فصل المنتج عن وسائل الانتاج. وهي تبدو "بدائية" لأنها تشكل ما قبل تاريخ الرأسمال وأسلوب الانتاج المناسب له. إن بنية المجتمع الرأسمالي الاقتصادية قد نشأت من بنية المجتمع الاقطاعي الاقتصادية. وإن تفسخ هذا الأخير حرر عناصر الأول. إن المنتج المباشر، العامل، لا تتوفر له إمكانيات التصرف بشخصه إلا متى كف تقييده بالأرض وزالت تبعيته الاقطاعية أو القنية لشخص آخر. وبعد، لكي يصبح العامل بائعا حرا لقوة العمل يحمل بضاعته إلى حيث يوجد طلب عليها، كان ينبغي له أن يتحرر من سيادة الحرف، من أنظمة الحرف بشأن المتدربين والصناع ومن سائر التطبيقات المتعلقة بالعمل. وهكذا، إن العملية التاريخية التي تحول المنتجين إلى عمال أجراء تبرز، من جهة، كتحريرهم من التكاليف الاقطاعية ومن الإكراه الحرفي ؛ وهذه الجهة هي وحدها الموجودة بنظر مؤرخينا البرجوازيين. ولكن من الجهة الأخرى، لا يصبح المحررون باعة لأنفسهم بأنفسهم إلا متى أنتزعت منهم جميع وسائل الانتاج وجميع ضمانات العيش التي كانت تؤمنها المؤسسات الاقطاعية القديمة. وإن تاريخ إنتزاع الملكية هذا مكتوب في وثائق البشرية بلهيب لغة النار و الد م. إن الرأسماليين الصناعيين، هؤلاء هم الحكام الجدد، كان يترتب عليهم، من جهتهم، لا أن يُزيحوا معلمي الحرف وحسب، بل أيضا الاقطاعيين الذين يملكون مصادر الثروة. ومن هذه الناحية يظهر إرتفاع شأنهم بمثابة ثمرة للنضال المظفر ضد السلطة الاقطاعية. وامتيازاتها المقيتة، وكذلك ضد الحرف وضد تلك القيود التي تفرضها الحرف على حرية تطور الانتاج وعلى حية إستثمار الانسان للانسان. ولكن فرسان الصناعة لم يفلحوا في أقصاء فرسان السيف إلا أنهم إستغلوا حوادث لا علاقة لهم بها اطلاقا. لقد أرتفع شأنهم باستغلالهم نفس الوسائل القذرة التي أتاحت فيما مضى للعبيد المعتقين في روما بأن يصبحوا اسياد مالكيهم السابقين. لقد كانت عبودية العامل نقطة انطلاق التطور الذي أنشأ العامل الأجير والرأسمالي على السواء. وقد تجلى هذا التطور في تغيير شكل استعباده. في تحويل الاستثمار الاقطاعي إلى استثمار رأسمالي. ولفهم مجرى هذا التطور، لا داعي لنا إلى التوغل بعيدا في الماضي. صحيح أن أولى نبتات الانتاج الرأسمالي تظهر بشكل عرضي في بعض مدن البحر الابيض المتوسط في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، إلا أن بداية الرأسمالي لا تعود إلا إلى القرن السادس عشر. وحيثما أطل هذا العهد كان الحق الاقطاعي قد قضى عليه من زمان وكان الاصفرار قد علا صفحة باهرة من صفحات القرون الوسطى، عنيت بها المدن الحرة. في تاريخ التراكم البدائي تشكل عهداً تلك الانقلابات التي كانت بمثابة حافز بالنسبة لطبقة الرأسماليين الناشئة، وقبل كل شئ تلك الحقبات التي كانت تفصل فيها جماعات كبيرة من الناس، فجأة و بالعنف، عن وسائل عيشها ويلقى بها في سوق العمل كبروليتاريين موضوعين خارج القانون.(1) إن انتزاع ملكية الأرض من المنتج الزراعي، الفلاح، يشكل أساس هذه العملية كلها. إن تاريخ هذا الانتزاع يتسم بتلاوين مختلفة باختلاف البلدان، ويمر بأطوار مختلفة في انتظام مختلف وفي عهود تاريخية مختلفة. وهو لا يتحقق في الشكل الكلاسيكي إلا في انكلترا، ولهذا نأخذها مثلا(2).
في انجلترا زالت التبعية القنية عمليا في أواخر القرن الرابع عشر. وكانت أغلبية السكان الهائلة(3) تتألف آنذاك – وبقدر أكبر في القرن الخامس عشر – من فلاحين أحرار يملكون استثماراتهم مستقلة، أيا كانت اليافطات الاقطاعية التي التي تختفي وراءها ملكيتهم. وفي عقارات الأسياد الأكبر منها، أقصى المزارع الحر bailiff (الوكيل)، الذي كان هو نفسه قنا فيما مضى. وكان العمال الأجراء في الزراعة يتألفون جزئيا من فلاحين يستخدمون وقتهم الحر للعمل عند كبار ملاكي الأراضي، وجزئيا من طبقة خاصة، قليلة العدد بصورة نسبية ومطلقة، من عمال أجراء صرف – ناهيك بأن هؤلاء الآخرين كانوا هم أنفسهم بالفعل فلاحين لهم استثمارات مستقلة، لأنهم كانوا يحصلون، فضلا عن الأجرة، على بيت صغير وكذلك على أربع اكرات وأكثر من الأرض الصالحة للزراعة. وعدا هذا، كانوا مع الفلاحين، بمعنى الكلمة الأصلي، ينفقون بالأراضي المشاعية ويرعون فيها مواشيهم ويستحصلون على الوقود : الحطب، الفحم النباتي، وخلافهما(4). وفي جميع بلدان أوروبا، يتصف الانتاج الاقطاعي بتقسيم الأرض بين أكبر عدد ممكن من الأفراد التابعين تبعية اقطاعية. إن بأس الأسياد الاقطاعيين، كبأس جميع السلاطين عموما، لم يكن يتحدد بمقادير ريعهم، بل بعدد التابعين لهم، وهذا العدد كان رهنا بعدد الفلاحين الذين يملكون استثمارات مستقلة(5). ولهذا، رغم تقسيم الأرض في انجلترا بعد الفتح النورمندي إلى بارونيات شاسعة لم يندر أن شملت الواحدة منها عددا من اللورديات الانجلوساكسونية القديمة في حدود 900 لوردية، قامت الاستثمارات الفلاحية الصغيرة مع ذلك هنا وهناك بكثرة، بحيث أن عقارات الأسياد الكبيرة كانت تقع بين هذه الاستثمارات في بعض الأماكن فقط. إن هذه العلاقات في ظل ازدهار الحياة المدينية الذي يميز القرن الخامس عشر قد خلقت إمكانية ذلك الإثراء الشعبي الذي يصفه المستشار فورتسكيو برائع البلاغة في مؤلفه "Laudibes Legum Angliae". ولكن هذه العلاقات كانت تنفي امكانية الاثراء الرأسمالي. إن ممهدات الانقلاب الذي شكل أساس أسلوب الانتاج الرأسمالي قد ظهرت في الثلث الأخير من القرن الخامس عشر والعقود الأولى من القرن السادس عشر. فقد قذف بجمهور البروليتارين الموضوعين خارج القانون إلى سوق العمل، نتيجة لحل الفصائل الاقطاعية التي كانت، حسب ملاحظة السيد جيمس ستيوارت الصحيحة، "تملأ البيوت والاحواش في كل مكان بلا جدوى(6). مع أن السلطة الملكية التي كانت هي نفسها نتاج التطور البرجوازي قد عجلت، في سعيها إلى الحكم المطلق، بحل هذه الفصائل بالعنف، إلا أنها لم تكن أبدا سببه الوحيد. فإن كبار الاقطاعيين، الذين كانوا في أحد التناحر مع السلطة الملكية والبرلمان قد أنشأوا بروليتاريا أكثر عددا بما لايقاس باغتصابهم الأراضي المشاعية وبطردهم الفلاحين من الأراضي التي كانت لهؤلاء عليها نفس حق الملكية الاقطاعي الذي كان للاقطاعيين أنفسهم. وقد كان الدافع المباشر إلى هذه العملية في انجلترا ازدهار صناعة الصوف المانيفاكتورية في الفلاندر وما اقترن به من ارتفاع في اسعار الصوف. كانت الفئة القديمة من النبلاء الاقطاعيين قد ابتلعتها الحروب الاقطاعية الكبرى، بينما كانت الفئة الجديدة وليدة زمنها فكانت النقود بالنسبة اليها قوة جميع القوى. وأصبح تحويل الأراضي المحروثة إلى مراع للغنم شعار الاقطاعيين. ويصف هاريسون في كتابه Description of England. Prefixed to Holinsheds chronieles ("وصف انجلترا. مقدمة لأخبار هولينشد") مبلغ التأثير المدمر الذي أحدثه في البلد انتزاع أراضي الفلاحين الصغار هذا. ولكن، كما يكتب، "what care our great incroachers!" ("ماهمّ مغتصبينا العظام!"). أما مساكن الفلاحين وأكواخ العمال، فقد هدمت بالعنف وأخليت. يقول هاريسون : "إذا أخذنا الأوصاف القديمة لأي عقار من عقارات الفرسان لرأينا أن البيوت والاستثمارات الفلاحية الصغيرة التي لاعد لها قد زالت، وأن الأرض تطعم الآن عددا من الناس أقل بكثير ؛ وأن مدنا كثيرة قد تدهورت، رغم ازدهار المدن الجديدة إلى جانبها... وبوسعي أن أحكي شيئا ما عن المدن والقرن التي هدمت وحولت إلى مراع من أجل الغنم والتي لم يبق منها غير بيوت الملاكين الكبار." إن شكاوى مثل هذه المدونات التاريخية القديمة مبالغ فيها دائما، ولكنها تصف بدقة ذلك الانطباع الذي أحدثته، في نفوس المعاصرين، الثورة الجارية آنذاك في علاقات الانتاج. وإذا أجرينا مقارنة بين مؤلفات المستشار فورتسكيو وتوماس مور، لرأينا بوضوح تلك الهوة التي تفصل القرن الخامس عشر عن القرن السادس عشر. فإن الطبقة العاملة الانكليزية، حسب ملاحظة تورنتون الصحيحة، قد سقطت مباشرة، دون أي درجات انتقائية، من عصرها الذهبي إلى العصر الحديدي. وقد خاف التشريع من هذا الانقلاب. فلم يكن يقف بعد على ذلك المستوى العالي من الحضارة الذي تعتبر فيه "Wealth of the Nation" ("ثروة الامة") – أي انشاء الرأسمال، وإملاق الجماهير الشعبية، واستثمارها بلا شفقة،– "ultima Thule"ـ(7) (الحد الأقصى) لكل حكمة سياسية على صعيد الدولة. يقول باكون في تاريخه لعهد حكم هنري السابع : "في ذلك الوقت" (عام 1489) "تكاثرت الشكاوى من تحويل الأراضي المحروثة إلى مراع" (لأجل الغنم، الخ.)، "لا تتطلب غير مراقبة عدد قليل من من الرعاة ؛ والأراضي المؤجرة لمدى الحياة أو سنويا" (كان قسم كبير من اليومان يعيش من الاستئجار السنوي)، "جرى تحويلها إلى عقارات كبيرة. فأدى هذا إلى انحطاط الشعب، وبالتالي إلى انحطاط المدن، والكنائس، والعشور... وقد حاول الملك والبرلمان معالجة هذا الشر بحكمة جديرة بالاعجاب... فاتخذا التدابير ضد اغتصاب الأراضي المشاعية (depopulating inclosures) الذي يبيد السكان وضد اقتصاد المراعي (depopulating pasturage) الذي يبيد السكان أيضا والذي جاء على أعقاب هذا الاغتصاب". إن قانون هنري السابع، عام 1489، الفصل 19، يمنع هدم البيوت الفلاحية التي يتبعها 20 اكرا على الأقل من الأرض. والقانون الصادر في السنة الخامسة لحكم هنري الثامن يجدد مفعول هذا القانون. ومما جاء فيه قوله : "إن عددا كبيرا من الأراضي المؤجرة وقطعانا كبيرة من المواشي، ولا سيما من الغنم، تتراكم في عدد قليل من الأيدي، ومن جراء هذا تنامى الريع العقاري كثيرا، بينما تدهورت حراثة الأراضي (tillage) تدهورا كبيرا وهدمت الكنائس والبيوت، وحرمت جماهير من الناس، مذهلة الضخامة، إمكانية إعالة نفسها وعائلاتها". ولهذا ينص القانون على إعادة تعمير البيوت التي حل بها الانحطاط، ويحدد النسبة بين الأرض المحروثة والمرعى، الخ... وفي عام 1533 صدر قانون يعرب عن الأسف من أن كثيرين من المالكين يملك الواحد منهم حتى 24000 رأس من الغنم، ويحدد عدد المجاز بألفي رأس(8). إلا أن شكاوى الشعب والقوانين ضد انتزاع أراضي المزارعين والفلاحين الصغار، التي صدرت في غضون 150 سنة، ابتداء من عهد هنري السابع، ظلت عديمة الجدوى سواء بسواء. ولقد كشف لنا باكون، عن غير قصد منه، سر عدم جدواها، حين كتب في مؤلفه "Essays, civil and moral" ("بحثان، مدني وأخلاقي")، الفصل 29 : "لقد كان في قانون هنري السابع أمر عميق وجدير بالدهشة، وهو أنه أنشأ استثمارات زراعية وبيوتا فلاحية ذات قدر عالي محدد، أي أنه أبقى لها مساحة من الأرض تستطيع بفضلها هذه الاستثمارات والبيوت أن تعطي أتباعا ميسورين كفاية وغير مقيدين بالتبعية العبودية. تمسك بفضلها المحراث، من جهة أخرى، تمسك المحراث أيدي المالك بالذات، لا أيدي الأجير" ("to keep the plough in the hand of the owners and not hirelings")ـ(9) |
|
(1) راجع الطبعة الحالية ص 83. الملاحظة الاولى. الناشر
(3) راجع الطبعة الحالية، ص 83،
الملاحظة الثانية. الناشر (4)
يجب ألا يغيب عن البال أن الأقنان أنفسهم لم يكونوا وحسب مالكي قطع
صغيرة من الأراضي
- ملزمين والحق يقال، بدفع اتاوات عنها - ملاصقة لبيوتهم، بل كانوا
شركاء في
ملكية الأرض المشاعية. "الفلاح هناك" في سليزيا _ قن _ومع ذلك يملك
هؤلاء
الأقنان الأراضي المشاعية. حتى الآن استحال استمالة السيليزيين إلى
تقسيم الأراضي
المشاعية في حين أنه لم تبق في نيمارك قرية لم يتحقق فيها هذا التقسيم
بأكبر النجاح
Mirabeau Dela Monarchie Prussienne لندن. عام 1788. المجلد 2، ص125 و126) (5) إن اليابان بتنظيمها الاقطاعي
الصرف لملكية الأرض وبنظام استثمارتها الفلاحية الصغيرة الواسع التطور،
تعطي عن القرون الوسطى في اوربا لوحة اصدق بكثير من التي تعطيها جميع
كتبنا التاريخية الحافلة بمعظمها بأوهام برجوازية. فمن السهل غاية
السهولة التظاهر "بالليبرالية "على حساب القرون الوسطى. (6) راجع الطبعة الحالية، ص83. الملاحظة الثالثة.
الناشر. (7) حرفيا: توله القصوى ؛ وهنا
يستعمل هذا التعبير بمعنى الحد الأقصى. (توله Thule بلاد من الجزر،
تقع، حسب تصور القدامى، في الطرف الأقصى من أوروبا الشمالية). -
الناشر. (8) يتحدث توماس مور في كتابه
"أوطوبيا" عن بلد مدهش "تأكل فيه الأغنام الناس" (أوطوبيا-"Utopia" ترجمة روبنسن. دار
اربر ليدن عام 1869. ص 41. (9) يوضح باكون الصلة القائمة بين الفلاح الميسور الحر والمشاة الصالحين. "لأجل دعم القدرة والأخلاق في المملكة، كان على أعظم جانب من الأهمية صيانة مقادير كافية من الأراضي المؤجرة بغية تأمين عيش رغيد للناس القادرين السليمين وبغية تثبيت قسم كبير من أرض المملكة في ملكية اليومان أي اولئك الذين يشغلون وضعا متوسطا بين النبلاء و"الكوتر" (cottagers) والأجراء الزراعيين... لأن أكفأ الخبراء في الشؤون الحربية متفقون جميعهم على أن... سلاح المشاة يشكل القوة الرئيسية في الجيش. ولكن انشاء سلاح صالح من المشاة يتطلب أناسا ولدوا وترعرعوا، لا في العبودية والفقر، بل في الحرية وفي جو من الرفاهية المعينة. ولهذا إذاً كان الدور الرئيسي في الدولة يعود إلى النبلاء والمجتمع الراقي، واذا كان سكان الريف والحراث لا يتألفون إلا من العمال أو الاجراء، وكذلك من "الكوتر" أي من الفقراء أصحاب الأكواخ، فمن الممكن في هذه الأحوال امتلاك سلاح صالح من الخيالة، ولكنه من المستحيل اطلاقا، امتلاك سلاح صالح، صلب، من المشاة... ونحن نرى هذا في فرنسا وإيطاليا وفي بعض الأراضي الأجنبية الأخرى، حيث يتألف جميع السكان بالفعل من النبلاء ومن الفلاحين الفقراء... ولذا تضطر إلى استخدام عصابات مأجورة من السويسريين وخلافهم من أجل كتائبها من المشاة، ومن هنا ينجم أن عدد أفراد هذه الأمم كبير بينما عدد جنودها قليل (The Reigon of Henry VII etc. Verbatim Reprint from Kennet's England, ed. 1917" London, 1870، p.308).
|