إنها المزاحمة بين الشارين والبائعين، النسبة بين
العرض والطلب، بين الطلب وتلبيته. والمزاحمة التي تحدد سعر بضاعة ما
ثلاثية. البضاعة ذاتها يعرضها مختلف الباعة. فالذي يبيع بضائع من الصنف نفسه
بأرخص الأسعار واثق من إزاحة سائر الباعة من ميدان المعركة وتأمين
أكبر تصريف لبضائعه. وهكذا فإن الباعة يتنازعون بعضهم بعضا تصريف
البضائع، السوق. كل منهم يريد أن يبيع، أن يبيع أكثر ما يمكن، أن يبيع
وحده إن أمكن، دون سائر الباعة. ولهذ، فإن أحدهم يبيع بأرخص مما يبيع
الآخر. فتقوم بالتالي مزاحمة بين الباعة تخفض سعر البضائع التي يعرضون. ولكنه تقوم أيضا مزاحمة بين الشارين ترفع، من جانبه، أسعار البضائع
المعروضة. وأخير، توجد مزاحمة بين الشارين والباعة؛ فالشارون يريدون أن يشتروا
بأرخص الأسعار، والباعة يريدون أن يبيعوا بأغلى الأسعار. أما نتيجة
هذه المزاحمة بين الشارين والباعة، فتتوقف على النسبة بين الطرفين
المتزاحمين المشار إليهما أعلاه، أي على الواقع التالي: أية مزاحمة
ستكون الأقوى – المزاحمة في معسكر الشارين، أم المزاحمة في معسكر
الباعة. فالصناعة عبئ جيشين لجبين تواجه أحدهما بالآخر، وكل منهما
إنما تحتدم معركة في صفوفه، بين قواته بالذات. فالجيش الذي يكون
التضارب في داخل صفوفه أقل، يحرز الغلبة على الجيش المخاصم. لنفترض أن في السوق 100 بالة من القطن، وأن هناك أيضا في الوقت نفسه
شارين يبتغون شراء 1000 بالة من القطن. فالطلب في هذه الحال يوازي عشرة
أمثال العرض. ولذا فإن المزاحمة بين الشارين ستكون قوية جد، فكل منهم
يريد أن يحصل على بالة، وإن أمكن على المائة بالة. إن هذا المثال ليس
بالفرضية الاعتباطية. فلقد عشنا في تاريخ التجارة فترات ساء فيها موسم
القطن وسعى فيها بعض الرأسماليين المتحالفين إلى شراء، لا 100 بالة،
بل جميع مخزونات القطن في العالم بأسره. وهكذ، فإن كلا من الشارين،
في الحالة المعينة، سيسعى إلى إزاحة شار آخر من السوق بعرضه سعرا أعلى
نسبيا لبالة القطن. أما باعة القطن الذين يرون قوات الجيش المخاصم تخوض
معركة حامية الوطيس بعضها ضد بعض، والذين تأكدوا إطلاقا من بيع
بالاتهم المائة بكليته، فإنهم سيمتنعون عن التضارب والتماسك بالشعر
لكي لا ينخفض سعر القطن في فترة يتنافس فيها أخصامهم على رفعه. وإذا
السلام يستتب فجأة في معسكر الباعة. إنهم كرجل واحد إزاء الشارين، ويتكتفون كالفلاسفة، وتكاد مطالبهم لا تعرف حدا لو أن عروض أولئك الذين
أشد ما يلحون على الشراء لم تكن لها حدود معينة، بيّنة. وهكذ، إذا كان عرض بضاعة ما أضعف من الطلب عليه، فليس ثمة إطلاقا أو
تقريبا أية مزاحمة بين الباعة. وبقدر ما تخف هذه المزاحمة، تنمو
المزاحمة بين الشارين. النتيجة: ارتفاع كبير إلى هذا الحد أو ذاك في
أسعار البضاعة. ومعلوم أن الحالة المعاكسة مع نتيجتها المعاكسة أكثر حدوثا: فائض كبير
من العرض على الطلب؛ مزاحمة عنيفة بين الباعة؛ قلة في الشارين؛ بيع
البضائع بأسعار بخسة. ولكن ما معنى ارتفاع الأسعار وهبوط الأسعار، ما معنى السعر العالي والسعر الزهيد ؟ إن حبة الرمل كبيرة إذا رأيتها عبر مجهر، والبرج صغير
بالقياس إلى الجبل. وإذا كان السعر إنما تحدده النسبة بين العرض والطلب، فما الذي يحدد النسبة بين العرض والطلب ؟ لنسأل أي برجوازي نشاهده، فإنه لن يتردد لحظة، وسيقطع بضربة واحدة
كأنه الإسكندر ذو القرنين هذه العقدة الميتافيزيقية المعقدة بواسطة
جدول الضرب وسيقول لنا: إذا كلفني إنتاج البضاعة التي أبيعها 100
مارك، وإذا بعت هذه البضاعة بـ 110 ماركات –بعد سنة طبع،– حصلت على
ربح متواضع، شريف، ملائم. وإذا بعتها بـ 120، 130 مارك، حصلت على ربح
عال؛ وأخير، إذا بعتها بـ 200 مارك، حصلت على ربح استثنائي، هائل.
فأي عامل يستخدمه البرجوازي إذن لقياس ربحه ؟ نفقات إنتاج بضاعته. فإذا
حصل مقابل هذه البضاعة على قدر من البضائع الأخرى كلّف إنتاجها أقل،
فقد مني بخسارة. وإذا حصل مقابل بضاعته على قدر من البضائع الأخرى
كلّف إنتاجها أكثر، فقد حقق ربحا. وهذا الهبوط أو الارتفاع في الربح،
إنما يقيسه بعدد الدرجات التي تهبط بها القيمة التبادلية لبضاعته تحت
الصفر أو ترتفع فوق الصفر، باعتبار الصفر نفقات الإنتاج. لقد رأينا كيف أن تغير النسبة بين العرض والطلب يتسبب تارة بارتفاع
الأسعار وطورا بهبوطه، ويؤدي تارة إلى أسعار مرتفعة وطورا إلى
أسعار متدنية. فإذا ارتفع سعر بضاعة ارتفاعا كبيرا بسبب من عرض غير كاف
أو بسبب من طلب يتزايد بلا حد، فلا بد أن سعر بضاعة أخرى قد هبط، بنسبة
معينة، لأن سعر بضاعة ما لا يفعل غير أن يعبّر بالنقد عن النسبة التي
تتم بموجبها مبادلة هذه البضاعة ببضائع أخرى. فإذا ارتفع سعر متر من
الحرير من 5 ماركات إلى 6 ماركات، فإن سعر الفضة قد هبط بالنسبة
للحرير، كما أن سعر جميع البضائع الأخرى التي ظلت بسعرها السابق، قد
هبط أيضا بالنسبة للحرير. فللحصول على الكمية نفسها من الحرير، ينبغي
الآن إعطاء كمية أكبر من البضائع مقابلها. فإلامَ يؤدّي ارتفاع سعر
بضاعة من البضائع ؟ إن الرساميل ستتدفق بالجملة على الفرع الصناعي
المزدهر، وهذه الهجرة من الرساميل إلى الفرع الصناعي الناجح تدوم ما
دام الربح في هذا الفرع لا يهبط إلى المستوى العادي أو بالأحرى حتى
الفترة التي تهبط فيها أسعار منتجاته، بسبب من فيض الإنتاج، إلى ما دون
نفقات الإنتاج. وبالعكس. إذا هبط سعر بضاعة من البضائع إلى ما دون نفقات الإنتاج،
انسحبت الرساميل من إنتاج هذه البضاعة. وباستثناء الحالة التي لا
يستجيب فيها فرع صناعي معين لمتطلبات الزمن ولا يبقى له إلا أن يزول،
فإن إنتاج هذه البضاعة، أي عرضه، سيأخذ في الهبوط من جراء هرب
الرساميل هذا إلى أن يتناسب مع الطلب، فيرتفع بالتالي سعرها من جديد
حتى يبلغ مستوى نفقات إنتاجها أو بالأحرى حتى يقل العرض عن الطلب، أي
يرتفع سعرها من جديد على نفقات إنتاجه، لأن السعر الجاري لبضاعة ما
إنما هو دائما أدنى أو أعلى من نفقات إنتاجها. إننا نرى أن الرساميل في هجرة دائبة واستيطان دائم، متنقلة من فرع
إنتاجي إلى فرع آخر، وأن ارتفاع الأسعار يؤدي إلى استيطان شديد جد، وهبوط الأسعار إلى هجرة شديدة جدا. وبوسعنا أن نبين من وجهة نظر أخرى أن نفقات الإنتاج لا تحدد العرض وحسب، بل الطلب أيضا. ولكن هذا الأمر يبعدنا كثيرا عن موضوعنا. لقد رأينا للتو أن تقلبات العرض والطلب تعيد دائما من جديد سعر بضاعة
ما إلى مستوى نفقات إنتاجها. إن السعر الفعلي لبضاعة ما هو حقا دائما
أدنى أو أعلى من نفقات إنتاجه، ولكن الارتفاع والهبوط يتكاملان، حتى
أننا إذا جمعنا حصيلة المد والجزر في الصناعة، في حدود فترة معينة من
الزمن، تبين لنا أن البضائع إنما تتم مبادلتها بعضها ببعض وفقا لنفقات
إنتاجه، أي أن نفقات إنتاجها هي التي تحدد سعرها. إن هذا التحديد للسعر بنفقات الإنتاج، لا يجب فهمه كما يفهمه
الاقتصاديون. فالاقتصاديون يقولون أن السعر الوسطي للبضائع يوازي نفقات
الإنتاج؛ وأن ذلك في رأيهم هو القانون. وهم يعتبرون أنها من قبيل
الصدفة هذه الحركة الفوضوية التي يعوض بواسطتها ارتفاع السعر عن هبوطه،
وهبوط السعر عن ارتفاعه. وعلى هذا الأساس، يكون بوسع المرء أن يعتبر
بنفس القدر من الصواب أن تقلبات الأسعار هي القانون، وأن تحديد
الأسعار بنفقات الإنتاج هو من باب الصدفة. وهذا ما يقول به بعض
الاقتصاديين. ولكن الحقيقة هي أن هذه التقلبات التي تفضي، كما يتضح
عند النظر فيها عن كثب، إلى أشد التدميرات إرهاب، وتزعزع المجتمع
البرجوازي حتى أسسه، أشبه بالزلازل الأرضية، هي وحدها التي، بقدر ما
تحدث، تحدد الأسعار بنفقات الإنتاج. إن مجمل حركة هذه الفوضى هو نظامها
بالذات. وفي غمار هذه الفوضى الصناعية، وفي غمار هذه الحركة الدائرة
على نفسه، تعوض المزاحمة، إذا جاز القول، عن تطرف بتطرف آخر. وهكذا نرى أن سعر بضاعة ما يتحدد بنفقات إنتاجها بصورة نجد معها أن
الفترات التي يرتفع فيها سعر هذه البضاعة فوق نفقات إنتاجها تعوّضها
الفترات التي يهبط فيها دون نفقات الإنتاج، والعكس بالعكس. وطبيعي أن
هذا القول لا يصح على كل من المنتجات بمفرده، إنما يصح فقط على عموم
الفرع الصناعي. وبالتالي فإن هذا القول لا يصح أيضا على صناعي بمفرده،
بل يصح فقط على عموم طبقة الصناعيين. إن تحديد السعر بنفقات الإنتاج مماثل لتحديد السعر بوقت العمل الضروري
لإنتاج بضاعة ما، لأن نفقات الإنتاج تتألف، أولا، من المواد الأولية واستهلاك الأدوات، أي من منتجات صناعية كلف إنتاجها قدرا معينا من أيام
العمل، وتمثل بالتالي قدرا معينا من وقت العمل، وثانيا، من العمل
المباشر الذي يقاس أيضا بالوقت. |