يتألف الرأسمال من مواد أولية وأدوات عمل ووسائل
معيشة مختلفة، تُستخدم لإنتاج مواد أولية جديدة وأدوات عمل جديدة ووسائل معيشة جديدة. وكل هذه الأجزاء التي تؤلف الرأسمال إنما هي من
مستنبطات العمل، من منتجات العمل، من العمل المكدَّس. فالعمل المكدَّس
الذي يُتخذ وسيلة لإنتاج جديد، هو رأسمال. هكذا يقول الاقتصاديون. من هو الرقيق الزنجي ؟ إنسان من العرق الأسود. إن قيمة هذا التفسير
تعادل حقا قيمة التفسير السابق. الزنجي هو زنجي. ولا يصبح رقيقا إلا في ظروف معينة. وآلة غزل القطن
هي آلة لغزل القطن. ولا تصبح رأسمالا إلا في ظروف معينة. وبدون هذه
الظروف، لا تكون رأسمال، شأنها شأن الذهب الذي ليس بحد ذاته عملة، أو
السكر الذي ليس هو بسعر السكر. في الإنتاج، لا يؤثر الناس في الطبيعة فقط، بل يؤثر بعضهم في البعض
الآخر أيضا، فهم لا ينتِجون إلا بالتعاون فيما بينهم على شكل معين، من
أجل النشاط المشترك وتبادل النشاط فيما بينهم. ومن أجل أن ينتجو،
يَدخل بعضهم مع بعض في صلات وعلاقات معينة، ولا يتم تأثيرهم في
الطبيعة، أي لا يتم الإنتاج، إلا في حدود هذه الصلات والعلاقات
الاجتماعية. وتبعا لطابع وسائل لإنتاج، تختلف بالطبع هذه العلاقات الاجتماعية التي
تقوم بين المنتِجين، والأحوال التي فيها يتبادلون النشاط ويشتركون في
مجمل الإنتاج. فإن اكتشاف آلة حربية جديدة هي السلاح الناري، قد أدى
بالضرورة إلى تعديل كل التنظيم الداخلي للجيش؛ وتغيرت العلاقات التي
يؤلف معها الأفراد جيشا ويستطيعون فيها العمل بوصفهم جيش، كما تغيرت
أيضا علاقات مختلف الجيوش فيما بينها. بالتالي، إن العلاقات الاجتماعية التي يُنتج الأفراد بموجبه، أي
علاقات الإنتاج الاجتماعية، تتغير وتتحول مع تغير وسائل الإنتاج
المادية وتطوره، مع تغير القوى المنتِجة وتطورها. وعلاقات الإنتاج
تشكل بمجموعها ما يسمى العلاقات الاجتماعية، المجتمع، تشكل مجتمعا في
مرحلة معينة من التطور التاريخي، مجتمعا مميز، معينا. فإن المجتمع
القديم، والمجتمع الإقطاعي، والمجتمع البرجوازي هي مجموعات من علاقات
الإنتاج، كل مجموعة منها تُميِّـز في الوقت نفسه مرحلة خاصة من مراحل
تطور الإنسانية التاريخي. والرأسمال يمثل أيضا علاقات إنتاج اجتماعية، هي عبارة عن علاقات إنتاج
برجوازية أي علاقات إنتاج المجتمع البرجوازي. فإن وسائل المعيشة وأدوات العمل والمواد الأولية التي يتألف منها الرأسمال، ألم تـُنتـَج وتـُكدَّس في أحوال اجتماعية معينة، ووفقا لعلاقات اجتماعية معينة ؟ ألا
تُستخدم لإنتاج جديد في أحوال اجتماعية معينة، وفي إطار علاقات
اجتماعية معينة ؟ أوَ ليس هذا الطابع الاجتماعي المعين هو الذي يحوّل
المنتجات التي تُستخدم للإنتاج الجديد إلى رأسمال ؟ إن الرأسمال لا يتألف فقط من وسائل المعيشة وأدوات العمل والمواد
الأولية، لا يتألف فقط من المنتجات المادية؛ إنما يتألف أيضا من القيم
التبادلية. فجميع المنتجات التي يتألف منها هي بضائع. فليس الرأسمال
إذن مجرد مجموعة من المنتجات المادية، إنما هو أيضا مجموعة من البضائع،
من القيم التبادلية، من المقادير الاجتماعية. إن الرأسمال يبقى هو نفسه، سواء استبدلنا القطن بالصوف، والرز بالقمح،
والسفن البخارية بالسكك الحديدية، شرط أن يكون القطن، للرز، للسفن
البخارية – جسد الرأسمال – القيمة التبادلية نفسه، السعر نفسه الذي
للصوف والقمح والسكك الحديدية التي كان مجسدا فيها سابقا. إن جسد
الرأسمال قد يتغير على الدوام دون أن يطرأ على الرأسمال أي تغير. ولكن إذا كان كل رأسمال عبارة عن مجموعة من البضائع أي من القيم
التبادلية، فإن كل مجموعة من البضائع، من القيم التبادلية، ليست
رأسمالا. إن كل مجموعة من القيم التبادلية هي قيمة تبادلية. وكل قيمة تبادلية
هي مجموعة من القيم التبادلية. مثل، إن بيتا يساوي 1000 مارك هو قيمة
تبادلية قدرها 1000 مارك. وصفحة من ورق تساوي بفينيغا هي مجموعة من
القيم التبادلية قدرها 100/100 من البفينيغ. إن المنتجات التي يمكن
مبادلتها بمنتجات أخرى هي بضائع، والنسبة المعينة التي تجري بموجبها
مبادلة هذه المنتجات تشكل قيمتها التبادلية، أو، بالتعبير النقدي،
سعرها. وإن حجم هذه المنتجات لا يمكن أن يغير شيئا في كونها بضاعة أو
كونها قيمة تبادلية أو كونها ذات سعر محدد. وسواء أكانت الشجرة كبيرة
أم صغيرة، فإنها تبقى شجرة. وسواء بادلنا الحديد أرطالا وأطنانا
بمنتجات أخرى، فهل يغير هذا طابعه، في كونه بضاعة، قيمة تبادلية ؟ إن
الحديد، بوصفه بضاعة، تتفاوت قيمته ويتباين سعره تبعا لكميته. ولكن كيف تصبح كمية معينة من البضائع، من القيم التبادلية، رأسمالا ؟ إنها تصبح رأسمالا بسبب أنه، بوصفها قوة اجتماعية مستقلة، أي بوصفها
قوة تابعة لقسم من المجتمع، تبقى وتنمو عن طريق مبادلتها بقوة العمل
المباشرة، الحية. إن وجود طبقة لا تملك غير قدرتها على العمل هو شرط
ضروري للرأسمال. إن سيطرة العمل المكدَّس، الماضي، المتجسَّد، على العمل المباشر، الحي،
هي وحدها التي تحوّل العمل المكدَّس إلى رأسمال. إن جوهر الرأسمال، ليس في كون العمل المكدَّس وسيلة للعمل الحي من أجل
تحقيق إنتاج جديد، بل في كون العمل الحي وسيلة لحفظ قيمة العمل
المكدَّس التبادلية ولزيادتها. |